مريم آيت أحمدالإثنين 10 يونيو 2013 – 10:09
المناهج التعليمية الدينية والتربية على قيم التسامح هل من أولوية داخل كليات التربية بالمغرب ؟؟؟
إن قضية التنشئة الدينية في المناهج التعليمية إذا اتفقنا على كونها لا تقتصر على الكتب المدراسية ؛ هي ذات بعد تربوي يرتبط بشكل مباشر بالقيم التربوية، والأهداف السلوكية والقيمية، التي تخدمها المناهج، والتي لا يمكن أن تتحقق إلا بتطوير جوانب أخرى في قضية المناهج وفي مقدمتها أساليب وطرق التدريس، وما يتبع ذلك من أساليب التقييم والاختبارات، فهل من أقسام تهتم بالتعليم الديني وتخريج أفواج بكليات التربية ؟ هل من دراسات معمقة في الدراسات الإسلامية تابع لهذه الكليات المهتمة بتطوير المناهج ؟ إننا اليوم بطرحنا هذا التساؤل نحاول ببساطة الإجابة عن سؤال غياب تأهيل كوادر تعليمية تربوية في هذه التخصصات ؟ لأن أجيالنا الحالية والمستقبلية في حاجة إلى تعلم يقود إلى التربية المجتمعية ، وليس إلى تعلم يقود إلى تراجع قيم الهوية والمواطنة والبناء النهضوي لمجتمعاتنا
وبالتالي فمراجعة المناهج من داخل كلية التربية ،وإنزالها مختبرات البحث الفعال من أجل تقويمها، وتطويرها قضية مصيرية لفاعلية الأمة الإسلامية ومشاركتها في دورة الإنجاز التعليمي الانفتاحي على المجتمع المغربي والعالمي، وهذا يجعلها تخضع للمعايير العلمية وليس للأحكام الشخصية أو لبعض الآراء التي تعتقد أن المناهج في التنشئة الدينية والدراسات الاسلامية لاتدخل في تخصصات علوم التربية ولا علاقة لها بها ،او أنها عند البعض مناهج مثالية، ولا يجوز المساس بها
لقد تعددت المناهج و كثرت النظريات في مؤسساتنا التعليمية بالعالم العربي، إلى الحد الذي بدأ معه الكثير من المشتغلين بعلم التدريس و الممارسين منهم على وجه الخصوص يشتكي من هذا الزخم النظري الهائل و يتساءل ،كيف يمكن التعامل مع كل تلك النماذج ؟ وهل تستطيع المؤسسات التعليمية استيعابها ؟ وهل ستتمكن هيئة التدريس والإدارة من ملاحقتها وتوظيفها ؟
كما تطرح تساؤلات حول شرعية التعامل أصلا مع النماذج الجديدة وتوظيفها ، كما لو كانت صناعات تنقل ؟ وشرعية استيراد هذا النموذج أو ذاك كما تستورد السلع ؟
والحقيقة أن الإشكال، يكمن في قدرة الأنظمة التعليمية على إبداع و توليف من كل تلك المستجدات ، ما يناسب خصوصيات قيم مجتمعاتها ويلبي احتياجات أفرادها ويلائم مختلف المراحل الدراسية لديها، والذي لا يوجد بالضرورة في واحد فقط من تلك المناهج .
وللأسف يرتكز التخطيط التربوي في العديد من بلداننا إلى نقطتين: وضع مناهج بطريقة غير شوروية وغير نابعة من واقعنا الاجتماعي أصلاً، وتخصيص «ميزانية» لتنفيذ هذه المناهج (مع غياب اقتصاد تربوي بالمفهوم العلمي). وهذه المناهج يُبدأ بتجريبها في بعض المدارس وأحياناً يتم تنفيذها دون تجريب ودون اختبار قدرة المدرسين على استيعابها وتنفيذها، وهكذا بعد عدد من السنوات أو بمجرّد تغيير وزير التربية يتمّ تغيير المناهج، وكأن التخطيط هو فكرة عابرة استحسنها شخص أو مجموعة فتم تنفيذها.
إن مفهوم التخطيط ليس غريباً على القيّمين على مناهج التربية ذلك أنه لا يمكن وضع نظام تربوي دون تخطيط، لكن درجة الغرابة تكمن في أسلوب التخطيط وكيفية وضع الأسس التي تبنى عليها المناهج: هل تنبثق هذه الخطط من الواقع؟ هل تراعي المعطيات الواقعية؟ هل هي في مستوى الآمال؟.
إنه عندما نتحدث عن التخطيط التربوي لا نتحدث فقط عن الكفاية الاقتصادية للتربية، أو التنمية البشرية، أو القيمة الاستهلاكية للتربية، أو الصحة التربوية، أو الفاقد في التعليم، أو العائد التربوي،… إنما نتحدث أيضاً عما يترتّب عن التربية من اتجاهات فكرية وثقافية أي العائد المعنوي للتربية الذي يرفد الحضارة. فالهدف من التخطيط التربوي هو إنجاح المناهج التي ينتظر منها أن تعود على المجال الاقتصادي والاجتماعي بالفائدة، كما أن أخلاقيات الأمة الإسلامية هي أخلاقيات التخطيط المشترك للنظر في واقع الأمة واستشراف مستقبلها. والتخطيط الجيّد يبدأ بتخطيط تربوي بالأساس يدعمه تخطيط سياسي.
إن هذه المهمة المنهجية تتطلب منا تحمل مسؤوليات كبيرة في ميدان التنشئة الدينة والتربية على قيم المحبة ،والتكافل والتسامح ،والعفو والعدل وحق الاخر في الاختلاف، بعد أن أصبحنا اليوم نتحدث عن قيم انسانية عابرة للقارات، وعن جيل معرفة نعده للمنافسات الحضارية العالمية ، وهذا يعني أن هناك رهانات جديدة تُطرح على الأنساق التربوية في مجتمعاتنا العربية والاسلامية التي لم تعد مهامها تقتصر على تنشئة الأجيال وفق متطلبات تعليم ديني تلقيني محدود بالإطار التقليدي في الحفظ والاجترار ، بل إن التنشئة الدينية الإيجابية تقتضي منا اليوم إيجاد آليات فاعلة لتطوير استراتيجية التعليم الديني وفق كفايات معرفية ونفسية تساهم في التفتح على الأديان والثقافات العالمية، باعتبارها مشترك انساني يقوم على قبول الاختلاف والحوار والتعايش السلمي ونبذ العنف الطائفي والديني والمجتمعي.
علينا أن نتجند اليوم وأكثر من أي وقت مضى، لتطوير استراتيجية التعليم بشكل عام، ومناهج التنشئة الدينية والاجتماعية والتربوية بشكل خاص، خاصة وأن الجميع يتحدث عن جيل الربيع العربي،الذي يحتاج من أطر ومفكري المجتمعات العربية أن يرشد ويوجه،ويعاد إنتاج تكوينه بعقلية التحفيز والإرادة والإنجاز، كسلوك حضاري قامت به ومازالت، تقوم به الأمم المتحضرة من أجل التكييف السريع مع المتغيرات المتلاحقة حتى تحافظ على تقدمها، وتبقى في مقصورة قيادة قطار التنمية في التنافسية الحضارية العالمية.
كما أن أخلاقيات الأمة الإسلامية هي أخلاقيات التخطيط المشترك للنظر في واقع الأمة واستشراف مستقبلها. والتخطيط الجيّد يبدأ بتخطيط تربوي بالأساس يدعمه تخطيط سياسي. فمفهوم التنشئة الدينية، لا ينحصر على جانب معين مثل التلقين الشفوي أوالمحفوظ الديني ،أو الأساطير الشعبية الموظفة للدين، بل هو يشمل وعي المتعلم بحياته وطريقة تعامله التربوي مع من يحيط به،وفق مؤثرات واقع العلاقات المجتمعية الداخلية والدولية .. فالتنشئة الدينية جزء لا يتجزأ من ثقافة الشعوب وتاريخها الحضاري ووعيها الحاضر بما يحيط بها من واقع.وبالرغم من أن التنشئة الدينية تمتد كعمليات تعلم في مراحل حياة الفرد المختلفة إلا أن استيعاب دورها في عملية التأثر والتأثير يتطلب دراسة قدرتها على التعايش مع جميع الانتماءات المجتمعية المحلية واحترام خصوصيات التنوع الثقافي والحضاري لدى الشعوب
فلو تأملنا التنشئة الدينية في إطار العلاقات الاسلامية *الاسلامية سنجد أنها لم تتشكل بفضل القيم الدينية فقط ، بل تأثرت بالظروف التاريخية والاجتماعية أيضاً. ونتيجة لذلك أصبحت العلاقات العربية العربية بكافة انتماءاتها المذهبية والدينية جزء لا يتجزأ من ثقافة تكوين وتاريخ القيم الدينية الأخلاقية للمنطقة، فقيمة التنشئة الدينية المبنية على السلم والعدالة، والتعايش والتساكن أضحت مطلباً ملحاً في جميع بلدان العالم الاسلامي ، فالنزاعات المسلحة وغياب الاستقرار السياسي لهما انعكاسات خطيرة على مخرجات التنشئة الدينية لأجيال مجتمعات المعرفة ، يتضح ذلك جلياً في الدول التي تعاني من الحروب والنزاعات الداخلية المسلحة كالسودان والعراق واليمن وسوريا وفلسطين..
لذلك فإن القيم الموجهة نحو احترام الآخر والتسامح معه ،هي القيم التي من شأنها أن تنقل أجيال مستقبلنا من ثقافة أحقاد النزاعات الطائفية والمذهبية ،إلى ثقافة السلام المرتكز على حقائق التعددية وآلية الحوار بين الأديان والمذاهب الثقافات ،وكذلك الأمر بالنسبة للعلاقات العربية الاسلامية فالبعدالاسلامي جزء لا يتجزأ من الهوية المسيحية ،كما أن البعد المسيحي جزء لا يتجزأ من الهوية المسلمة ،وقد أتبث التاريخ العربي واللغة والحضارة والفكر والفلسفة والنهضة العربية الحديثة في القرن الماضي تطلعات الأسر العربية والإسلامية نحو تعزيز قيم التعايش المشترك والتساكن الآمن في التنشئة الدينية لأبنائهم.
بحيث جمعت بين المسيحيين العرب والمسلمين قواسم مشتركة في التنشئة الدينية ،جعلتهم يربون أبنائهم على الإيمان بالتعددية، في إطار الشعور الواحد بالانتماء كأبناء أرض واحدة. ومع الزمن أضحت العروبة والإسلام نسيجاً يلفّ الجميع بحيث لم يجدوا في تنشئتهم الدينية أي تناقض مع أصولهم الثقافية والروحية، ولا نبالغ اذا قلنا بأن وسائل الإعلام الحديثة اليوم ،باتت تسيطر على قيم التنشئة الدينية في العقل الجمعي لمجتمعاتنا، مما قد يفرز خطابا يوشك أن يشكل هويات جماعات دينية جديدة، تعاني أجيالها في ضل غياب تنشئة دينية مبنية على التعايش والتسامح وقيم السلم المجتمعي من الصراعات المورثة لخصومات مجتمعية يغيب فيها الاحترام المتبادل المبني على قيم التعايش وتقاليد الموروث المشترك والخبرة المشتركة.
وإذا أردنا استشراف مستقبل اجيال مجتمع المعرفة،وتوظيف قيم التنشئة الدينية في التربية على الممارسة التسامحية الإسلامية الاسلامية ، فإنه يجب علينا أن ندرك أبعاد هذا المفهوم بدقة وموضوعية عبر التركيز على الجانب الإنساني ،من خلال توظيف الأنساق المعرفية والتربوية كي تعمل على بناء اتجاهات الاختلاف الايجابية لدى الناشئة نحو الذات الاسلامية الإسلامية، وصياغة ثقافة احترام التعددية المذهبية والانتماء ات الفكرية والثقافية واللغوية داخليا كخطوة أساسية لتأهيلهم نحو تفعيل العلاقة مع الآخر الخارجي، الأمر الذي يتطلب من المؤسسة الأسرية والتربوية والمجتمعية، بكل مكوناتها خلق أنشطة تربوية إعلامية تطبيقية تمكن الناشئة من الانخراط الفعلي في ثقافة احترام قيم التعددية الدينية والمذهبية، وإشاعة القيم الإنسانية والأخلاقية وقيم الترابط الاجتماعي وإقصاء كل سلوكيات التعصب ومفاهيم الانغلاق الثقافي.
إننا اليوم أمام متغيرات اتصال وتواصل عالمية، قضت تدريجيا على الحدود والحواجز،وسرعت عملية تناقل المعلومات والمعارف والقيم ،وأنتجت ثورات ربيع عربي حيث ظهرت آليات واستراتيجيات جديدة ،تقول بصراع الحضارات والثقافات والديانات تؤدي إلى الوقوع في مزالق التطرف والتعصب, ولعل السبيل الوحيد للوقوف أمام تلك النظريات التشاؤمية هو تعزيز قيم حق الاختلاف والتعايش في التنشئة الدينية لدى أجيال المعرفة سواء في العالم الاسلامي او العالم الغربي ، بعد أن أصبح قبول الآخر والحوار معه مطلباً مجتمعياً وكونياً، وهكذا فإن الحديث اليوم عن دور التنشئة الدينية في اعداد مستقبل أجيال المعرفة وتأهيلهم لثقافة التقريب بين المذاهب والتعارف بين الثقافات والحوار بين الأديان لم يعد ترفاً فكرياً، بل هو رهان جديد للألفية الثالثة، يقوم على حسن توظيف الأسرة والمدرسة و المجتمع ، والإعلام لمفهوم القيم وآليات البناء. وفق مناهج وإشكاليات البحث في قضايا الهوية وتدافع القيم.
أستاذة التعليم العالي
رئيسة مركز إنماء للأبحاث والدراسات المستقبلية